التدقيق الجنائي حتى آخر يوم من عهد ميشال عون.. ولكن!
لن يغادر ميشال عون القصر الجمهوري دون تنفيذ التدقيق الجنائي، الرئيس العنيد، لا يزال مصرًا على أن تنفيذ التدقيق سيحصل عاجلًا أم آجلًا رغم كل المعوقات والصعوبات.
فيما الهم السياسي منصب عند عقد تشكيل الحكومة العتيدة التي ينتظرها اللّبنانيون منذ أشهر، إلّا أنّ ساكن قصر بعبدا، يردّد في لقاءاته أنّه لن يترك كرسي الرئاسة قبل تنفيذ التدقيق الجنائي كاملًا ومتكاملًا. لأنّ التدقيق في عقل ميشال عون هو المدخل الرئيسي للإصلاح والبوابة العريضة لمغارة الفساد وهدر الأموال والمدخل الرئيسي لاستعادة الثروات المنهوبة.
المافيا أو الأربعين أو المئة حرامي وربما أكثر ممن يقفون سدًا أمام مشروع ميشال عون الإصلاحي، بحسب ما يقول لزواره، هم العدو الأول والمسبب الرئيسي لما وصلت إليه المؤسسات من انهيار تام. وإذا كان ملف تشكيل الحكومة والتعطيل ومسبباته هو الملف الذي أجرى على أساسه مروحة من اللقاءات الدبلوماسية في الفترة الأخيرة لتوضيح موقفه من التشكيل، ونزع التهم عن كاهله، إلّا أنّ التدقيق الجنائي كان بندًا أساسيًا على جدول مباحثاته مع سفراء الدول المؤثرة في لبنان.
يسأم رئيس الجمهورية من التهم الملقاة على كاهله، باعتبار الانهيار الشامل وإفقار الدولة والمؤسسات والشعب جرت كلّها في عهده. العهد الذي كان شعاره الإصلاح والتغيير وقع في فخ “المافيات” السياسية التي خربت المؤسسات وأفرغت خزائنها طيلة ثلاثين عامًا.
تبديد أموال اللّبنانيين وأرزاقهم، هو ما يرفض عون إلباسه إياه، لذا يُصر على التدقيق لكشف من سرق وأهدر تلك الأموال، لذا سيكون هذا الملف الأساسي الذي يختم به عهده.
وفق مفاهيم بعبدا فإنّ التأخير في ملف التدقيق هو إفشال للمبادرة الفرنسية أيضًا التي أفردت حيزًا كبيرًا للملف الإصلاحي بعد التشكيل الحكومي، وفيها أن إصلاح القطاع المالي يتطلّب إصلاح الوضع المصرفي انطلاقًا من مصرف لبنان.
فريق رئيس الجمهورية يعتبر أنه كلّما اشتد الضغط لتنفيذ التدقيق الجنائي تبرز من جانب المتضررين مقترحات لتمييع الموضوع تحت عناوين التدقيق الشامل. ويدعو البعض إلى البدء بالتحقيق في وزارة الطاقة حيث الهدر بالمليارات ولإدانة وزراء العهد الذين تعاقبوا على تولي الوزارة. لكن فريق الرئيس والتيار الوطني الحر، يردون بالمطالبة بالتدقيق في جميع الوزارات والإدارات والمرافق والمجالس والهيئات دون أن يكون ذلك سببًا لتأخير التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان الموقّع بموجبه عقد خاص به وهو المدخل الإلزامي للتدقيق في كل حسابات الدولة. وهذا ما أكد عليه تكتّل لبنان القوي في بيان له يوم الثلاثاء.
مرّت فترة طويلة على وعود أعطاها مصرف لبنان ووزارة المالية بتسهيل عملية التدقيق الجنائي والتعاون لتقديم ما يلزم من مستندات. واليوم مع انتهاء مهلة تسليم مصرف لبنان المستندات المطلوبة منه لصالح شركة التدقيق الجنائي ألفاريز أند مارسال، تنتظر دوائر القصر الجمهوري ردود مصرف لبنان حول تسليم المستندات المطلوبة من شركة التدقيق.
آمال الرئيس اليوم، بحسب فريقه، أن يأتي رد شركة ALVAREZ & MARSAL على الكتاب الموجّه إليها من نقابة المحامين وفيه سؤال واحد ووحيد: “من يعرقل التدقيق الجنائيّ؟” بحسب النقيب ملحم خلف، وأن تجيب كذلك وزارة المال على مجموعة أسئلة وجّهتها أيضًا نقابة المحامين إليها حول مراسلات ومستندات مرتبطة بملفّ التدقيق الجنائيّ.
إغراق الملف بالكيد السياسي، والتنافر حول شمول التدقيق حسابات مصرف لبنان والصناديق والوزارات أو حسابات مصرف لبنان والمصارف. في وقت أُهدِرَ أكثر من 4 أشهر من مدة السنة التي حدّدها مجلس النواب لرفع السرية المصرفية عن الحسابات في مصرف لبنان، من دون تسجيل أي جديد.
وزير المالية غازي وزني لم يترك الساحة فارغة ويستمر في مراسلة الشركة، لكن مراسلاتها أثارت شكوكًا وكأنه سيتم التعاقد مع الشركة وفق شروط جديدة وأسس مغايرة لتلك التي بدأت فيها ما يعني أن توقيع اتفاقية جديدة سيحتاج إلى قرار حكومي وجلسة وزارية لا يمكن عقدها في حالة تصريف الأعمال.
مصرف لبنان أبلغ منذ مدّة وزارة المالية أنه يقوم بتحضير المستندات التي طلبتها شركة التدقيق. لكن لم يحصل حتى الآن أي من ذلك. وفي انتظار رياض سلامة ومستندات مصرف لبنان، التدقيق الجنائي لن يخرج إلى النور.
وزيرة المهجرين غادة شريم، ترى أن الموضوع لدى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والنّواب يعلمون ذلك، وقد أثاروا الملفّ خلال الجلسة التشريعية الأخيرة، بل أكثر من ذلك، تحدّى أحد النواب إذا كان أحد يعرف حجم الاحتياطي الإلزامي لدى المصرف المركزي.
أجوبة سلامة مبهمة وغير واضحة، بحسب شريم، وهذا هو السد الذي يقف أمام كشف ما خلفه. إذا وفى الحاكم بتعهداته وألقى عنه التذرع بالسرية المصرفية وتغطية حسابات الوزارات والإدارات الرسمية تُحل أجزاء كبيرة من العقبات أمام التدقيق.
لكن الأمر ليس بهذه السهولة، وبعض الجهات السياسية ترى في التدقيق الجنائي، حملًا ثقيلًا فوق الأكتاف وتريد إزاحته، ومنهم من هو معني ومتهم بعرقلة التشكيل الحكومي حتى لا يبدأ العمل بالتدقيق، حتى أن البعض سرّب أن شرط تجاوز التدقيق وضع على طاولة تسهيل التشكيل.
في بلد تدخل السياسة حتى لقمة الخبز، ليس سهلًا تنفيذ التدقيق دون قانون السلطة القضائية المستقلة. ووضع آلية تنفيذية من قبل وزارة العدل. هل ينجح رئيس الجمهورية في إنجاز العهد الذي قطعه؟ الأمر غير محسوم لذا فإن رئيس الجمهورية سيخلع قفازات الدبلوماسية ويسمّي الأشياء بأسمائها ويكشف المعرقلين ومن يريد إحراق التدقيق وتبديد آخر قرش من مال اللبنانيين. ولكن هذا طبعًا لا يُعيد للبنانيين مالهم المنهوب.
رانيا برو